إعلان موقف التيار الوطني حول حرب 15 أبريل
إنهاء الحرب لصالح دولة المؤسسات
مقدمة:
ظلت بلادنا تعيش فاصلاً طويلاً من المعاناة منذ مهاجمة مليشيات الدعم السريع لقاعدة مروي الجوية لتبدأ بعدها فصول حرب شعواء إمتدت لتشمل العاصمة الخرطوم وغالب إقليم دارفور ومناطق متفرقة من كردفان وأماكن أخرى.
خلقت هذه الحرب أوضاعاً كارثية من حيث الإنتهاكات التي سجلتها بالنظر إلى الأعداد المهولة من الضحايا المدنيين الذين فقدوا أرواحهم أو تعرضوا لإصاباتٍ مستديمة أو كانوا ضحايا للعنف الجنسي أو أصبحوا في عداد الأسرى والمغيبين قسرياً ناهيك عن فقدانٍ لممتلكاتهم الخاصة وإضطرراهم إلى النزوح واللجوء بعيداً عن منازلهم وفقدانهم لمصادر رزقهم، يضاف إلى ذلك حجم الخراب الكبير الذي طال الممتلكات العامة والبنية التحتية في مناطق شاسعة في البلاد، كما أنه لا يمكن تجاوز التهديد الجديّ لبقاء السودان كدولة إذا تجاوزنا الحديث عن أحلام السودانيين في دولة مدنية ديمقراطية تدار عبر آليات الحكم الراشد.
في ظل هذا الواقع الأليم الذي خلقته حرب 15 أبريل وفي سبيل إنهاء هذه الحرب وتجاوز التبعات الثقيلة التي ستخلفها ولأجل عودة البلاد إلى مسار التحول المدني الديمقراطي فإننا نقدم لجماهير الشعب السودان ” إعلان موقف التيار الوطني من حرب 15 أبريل ” الذي نقدم فيه تحليلنا لمسببات هذه الحرب ورؤيتنا حول كيفية إنهائها وماهية الوسائل التي سنتبناها للوصول إلى أهداف ” إعلان موقف التيار الوطنيمن حرب 15 أبريل “.
مسببات حرب 15 أبريل
1- الوضع الشائه المترتب على تعدد القوات الموازية للقوات النظامية، والتي أخذت في التطور منذ حقبة الديمقراطية الثالثة لتتطور في عهد النظام البائد إلى أن بلغت أوجها بتقنين وضع مليشيا الدعم السريع عبر قانون أجازه برلمانه في العام 2017 لتكون الخاتمة تعديل المادة الخامسة من القانون لتتيح لهذه المليشيا الحرية في التجنيد والتسليح، إن وجود قوتين عسكريتين أو أكثر وهما في وضع التوازي والاستقلال عن بعضيهما البعض داخل الدولة الوطنية الواحدة مدعاة للصراع تحت كثير المسببات، وهذا ما يفسر عديد الإحتجاجات التي إنتظمت داخل القوات المسلحة حول وضع وطبيعة مليشيا الدعم السريع بأشكالٍ وأنماطٍ مختلفة منذ فترة ما قبل سقوط النظام البائد.
2- تعثر مسار التحول المدني الديمقراطي الذي قالت به ثورة ديسمبر المجيدة في المضي نحو غاياته، والذي كان يمكن أن يقود إلى بناء دولة مدنية مكتملة الأركان تأتمر بأمرها جميع القوات النظامية وتقود إلى إنهاء وضعية القوات الموازية والمليشيات، وفي ذات الوقت تجعل من القوات النظامية مجرد مؤسسات تابعة للدولة وتجردها ضمن عمليات الاصلاح والتطوير من أي نزعاتٍ سياسية ذات علاقة بقضايا الحكم.
3- المشاريع السلطوية لدى قيادة القوات المسلحة ( ولا نقول القوات المسلحة برمتها ) ومليشيا الدعم السريع، حيث كان لا بد لهذين المشروعين أن يصطدما ببعضيهما البعض في سبيل الإستحواذ الكامل على السلطة والإنفراد بها، وبالتأكيد فإن قرائن الأحوال على الأرض ومنذ اسقاط رأس النظام البائد تؤكد أنه لم يكن يوجد أي إلتزام بمسار التحول المدني الديمقراطي، بل كان هناك سعيٌ حثيث لإفشاله ووضع العثرات في طريقه في إنتظار اللحظات المناسبة للإنقضاض عليه وهذا ما حدث غير مرة.
4- غياب المشروع الوطني التوافقي، حيث لم تستطع القوى السياسية المدنية البناء على الوحدة الجماهيرية التي أحدثتها ثورة ديسمبر المجيدة، لقد ساعدت التباينات الحادة والانقسامات بين المنظومات السياسية التي كانت جزءاً من قوى الثورة من جانب وكذلك الفشل في الوصول إلى تفاهماتٍ مكتملة مع القوى السياسية خارج مظلة الفاعلين الذين أنتجوا الوثيقة الدستورية لسنة 2019 من جانبٍ آخر في ضعف الدور المدني وإتاحة الفرصة لزيادة المطامع السلطوية داخل المؤسسات العسكرية مما أنتج انقلاب 25 أكتوبر والذي تطور لاحقاً بسبب تناقضاته الداخلية إلى حرب 15 أبريل.
الموقف من حرب 15 أبريل
1- إننا في نظرتنا لهذه الحرب لا نساوي إطلاقاً بين طرفيها ولا نتبنى موقفاً حيادياً فيها، بل لدينا تأسيسات واضحة نجملها في التالي:
– لدينا إنحيازنا الواضح نحو القوات النظامية وعلى رأسها القوات المسلحة ونعتقد بحتمية وجودها في إطار الدولة الوطنية، وفي الوقت الذي نقر فيه بتعرضها شأنها في ذلك شأن جميع مؤسسات الدولة بما يشمل المؤسسات المدنية للتخريب الممنهج في ظل سلطة النظام البائد، إلا أنها كمؤسسات دولة قابلة للتطوير والاصلاح والعودة بها إلى وضعها الطبيعي داخل الثكنات أو الخروج بها وفق مناط تكليفها لحماية البلاد والدفاع عنها.
– لدينا موقفنا الوطني الصميم من مليشيا الدعم السريع حيث لا مكان لها داخل أطر الدولة الوطنية، ونتعامل معها بإعتبارها أحد منتجات النظام الكيزاني البائد وجزءاً من تركته الثقيلة والتي كانت إحدى أدواته في قمع جماهير شعبنا في إقليم دارفور، كما أنها بوضعها الحالي لا تمثل إلا قوةً عسكرية تمتلكها أسرة ولا يمكن إستئمانها على سلامة الوطن ومصالحه ووحدته.
2- نضع في الإعتبار التكلفة الباهظة لهذه الحرب المفروضة على شعبنا وتأثيراتها التي نوجز منها:
– التكلفة الإنسانية الباهظة، وهذا ما تحكيه إحصائيات الضحايا من القتلى والمصابين والمعتقلين والمختفين قسرياً وغير ذلك من الإنتهاكات الجنسية والخسائر في الممتلكات الخاصة، كما أنها تلعب دوراً في مزيدٍ من الهتك للنسيج الاجتماعي الذي يحتاج أصلاً للتعافي من كثيرٍ من جراحات الماضي.
– التهديد الحقيقي لوجود الدولة، حيث تتسبب هذه الحرب في غياب الخدمات التي تقدمها الدولة على شحها في فترة ما قبل الحرب، ويمتد هذا التهديد ليشكل خطراً على وجود الدولة ذات نفسها بانتفاء مظاهرها وقدرتها على القيام والإيفاء ولو بالنذر القليل من مقومات تعريف الدولة.
– التوسع الجانبي للحرب، حيث أنه مع حالة الفراغ الأمني وإنتشار السلاح وتنامي الخطاب النافي للآخر يصبح المناخ محفزاً لإندلاع الحروب ذات الطابع الإثني والقبلي، كما أن ذات المناخ يوفر بيئةً خصبة جاذبة للبؤر الإرهابية كما تحكي بذلك تجارب مماثلة في جوارنا الأفريقي والعربي.
– خفوت الصوت المدني، حيث أنه في ظل حمى آلة الحرب يضعف الصوت المدني وتضعف قدرته على الفعل والحراك مما يحد من إمكانياته للقيام بواجباته وفق أدوات العمل السياسي المعروفة مما يعزز الفرص السالبة لعسكرة الفضاء العام وجعل البندقية وسيلةً أقوى للتعبير عن المواقف وإسماع المطالب.
3- يتمثل جوهر موقفنا في العمل لأجل إنهاء الحرب وفق معادلة تحفظ للدولة سيادتها ووحدتها، وتقود للحفاظ على مؤسسات الدولة وإصلاحها وتطويرها لاحقاً، والحد من ظاهرة المليشيات والقوات الموازية ومنع حصولها على أي إمتيازات سلطوية أو سياسية إلى حين حلها عبر آليات الدمج والتسريح، وإجتراح عملية سياسية شاملة تقود إلى إنتقالٍ مدني يؤسس لقيام نظام ديمقراطي مستقر.
خارطة إنهاء حرب 15 أبريل
بالتأكيد لا ثمة عاقل يقول ” نعم للحرب ” لا سيما في ظل الكلفة الباهظة والمآلات المحتملة لإستمرار الحرب، وبالتالي فإننا ندعم موقفنا القائل بإنهاء الحرب وفق عملية سياسية شاملة وواسعة لا تقول بإنهاء الحرب فحسب بل تمتد لوضع معالجات لقضايا ما بعد الحرب ومن ثم التأسيس لوضع إنتقالي مدني يقود البلاد إلى حين عتبة الانتخابات العامة.
تقوم هذه العملية السياسية الشاملة على المراحل التالية:
1- تسمية القضايا فوق التفاوضية باعتبارها المدخل الأسلم للبدء في وقفٍ حقيقي لاطلاق النار، وتتمثل في التالي:
– القوات النظامية وعلى رأسها القوات المسلحة هي المؤسسة الوحيدة المخول لها بإحتكار السلاح.
– حل جميع المليشيات والقوات الموازية عبر آليات الدمج والتسريح، وتبحث التدابير الفنية لاحقاً.
– استئناف واستكمال العمل في بنود الترتيبات الأمنية التي قالت بها اتفاقية جوبا لسلام السودان في مساراتها المختلفة.
– الحوار حول القضايا السياسية لا يشمل أي أطراف عسكرية، ويشمل هذا المنع القوات النظامية والمليشيات.
– إطلاق سراح المعتقلين المدنيين لدى مليشيا الدعم السريع وخروجها من منازل المواطنين والمرافق العامة وغيرها من الأعيان المدنية.
– إطلاق سراح المعتقلين المدنيين لدى القوات المسلحة.
– قضايا إحقاق العدالة وإنصاف الضحايا وجبر المتضررين ليست محلاً للتفاوض والمساومة.
2- تحديد القضايا التي تنحصر فيها مشاركة الأطراف العسكرية، وتتمثل في التالي:
– الترتيبات الفنية ذات الصلة بوقف إطلاق النار.
– التوافق حول آليات المراقبة لعمليات وقف إطلاق النار.
– مناقشة التدابير الاجرائية لعمليات حل المليشيات والقوات الموازية حول عبر آليات الدمج والتسريح.
3- العملية السياسية الشاملة:
العملية السياسية الشاملة هي عبارة عن حوار سوداني سوداني يشمل أكبر تمثيل ممكن للمكونات السياسية والقواعد الاجتماعية والفاعلين في القضاء العام، وتنحصر أهدافها في التالي:
– التوافق على أجهزة الحكم المدني التي تقود البلاد خلال فترة الإنتقال وكيفية تسمية شاغليها.
– التوافق حول آليات التصدي لقضايا إحقاق العدالة وإنصاف الضحايا وجبر المتضررين ومعالجة قضايا ما بعد الحرب.
– التوافق حول قضايا السلام عبر مخاطبة جذور الأزمات في البلاد والوصول لحلول مستدامة بما يشمل البناء على تطوير إتفاقية جوبا لسلام السودان.
– التوافق على رسم خارطة طريق نحو الإنتخابات العامة بما يشمل المسائل الفنية من إجازة قانون لمفوضية الانتخابات وإنفاذ التعداد السكاني وغير ذلك من مسائل ذات صلة.
– التوافق حول عمليات صناعة الدستور الدائم للبلاد والذي يجاز عبر إستفتاء شعبي عام ويقر عبر سلطة تشريعية منتخبة.
– التوافق حول رؤية إقتصادية تستطيع مخاطبة الإحتياجات الملحة لفترة ما بعد الحرب وتقود البلاد خلال فترة الإنتقال.
الآليات والوسائل
1- تعرية الخطاب الكذوب لمليشيا الدعم السريع والتي هي في حقيقتها قوة عسكرية يمتلكها أفراد وسحب الغطاء السياسي عنها بإعطاء التعريف الحقيقي لمشروعها الذي تستند عليه في هذه الحرب والذي هو محض مغامرة نحو السلطة لا غير.
2- التأكيد على ما هو معلوم بداهةً بإسناد مؤسسات الدولة، ومؤسسات الدولة هذه بشقيها المدني والعسكري بواقعها الحالي فيها ما فيها من مواطن الإختلال والعطب لكن ذلك لا يعني إستحالة إخضاعها لعمليات الإصلاح والتطوير، وأن نتذكر دوماً أننا ندعم المؤسسات الباقية وليس الأفراد الذين هم محطاتٌ عابرة.
3- العمل على خلق تحالف مدني ملتزم بالتعبير عن مباديء وأهداف ثورة ديسمبر ويكون أحد أهدافه الأساسية إنهاء الحرب لصالح دولة المؤسسات.
4- إحداث التوافق الوطني العريض حول ثوابت الإنتقال المدني، والذي يحتاج إلى تقديم الإستراتيجي على المرحلي/ التكتيكي، وأن نعي أن عقاب الخطأ الجنائي مكانه سوح المحاكم والقضاء وأن عقاب الخطأ السياسي مكانه صندوق الإنتخابات العامة.
5- إجتراح المشروع الوطني الذي يقودنا إلى تأسيسات حقيقية للدولة السودانية، تأسيسات تقوم على المصالحة الوطنية بين المجتمعات السودانية، وإحقاق العدالة بشقيها الجنائي والإنتقالي، وتنظيم عمليات تداول السلطة بما يضمن التمثيل الحقيقي لكل السودانيين، وخلق نهضة تنموية تقود السودان من دولة ما قبل رأسمالية تتزيا بثوب الدولة الحديثة إلى دولة قادرة على تحقيق الرفاه لشعبها.
6- التواصل الخارجي مع الفاعلين الإقليمين والدوليين بما لا يمس سيادة الدولة السودانية في سبيل التيسير والمساعدة في عمليات وقف إطلاق النار وتقديم العون الممكن من المساعدات الانسانية وتسهيل أي عملية سياسية شاملة تدعم الإنتقال المدني المجمع عليه سودانياً.
خاتمة
إننا في التيار الوطني إذ نضع بين يدي جماهير شعبنا وثيقة ” إعلان موقف التيار الوطني من حرب 15 أبريل ” بما تشمله من تحليلٍ لأسبابها وموقف التيار تجاهها ورؤيته حول الطريق الأمثل لانهائها وخارطة طريق لما بعدها فإننا نضعها كمشروعٍ مفتوح للتفاعل معها تعديلاً وتنقيحاً وتطويراً متى ما تم التوافق حول هدفها الرئيس المتمثل في إنهاء الحرب لصالح دولة المؤسسات.
كما أننا نعلن عزمنا التعاون مع كل الفاعلين في فضائنا الوطني العام من أحزابٍ سياسية وكياناتٍ مهنية ولجان مقاومة ومنظماتٍ مدنية، والتي سبق وأن طرحت رؤيتها حول موقفها من حرب 15 أبريل ونجد فيما بيننا وبينهم عديد من القواسم المشتركة التي يمكن أن تؤسس لموقفٍ موحد يعبر عن إرادةٍ غالبة للشعب السوداني.
قد يكون المشوار صعباً، لكن الذي يظل ” أن الآلام العظيمة تصنع الأمم العظيمة إذا وعت وتعلمت ” .
Share this content:
إرسال التعليق